السلطان والمهرج. ofde islam

Ofde islam arabic team
By -
0
 السلطان والمهرج
في عام 1393م، كانت الخلافة العثمانية تمضي بخطى ثابتة نحو العزة والازدهار، وكان السلطان بايزيد الأول، المعروف باسم "يلدرم"، متربعًا على عرشها، يحكم بحزم وعدل. وكان للسلطان عادة فريدة، إذ كلما خرج من عاصمة ملكه، بورصة، إلى إحدى الولايات، كان يُقيم فيها بعض الوقت، ينصت لشكاوى الناس، ويُنشئ محكمة متنقلة يُطلق عليها "أيّاك ديوانى" ليقضي بين الناس بالعدل.
وفي يومٍ من تلك الأيام، وبينما كان السلطان جالسًا في مجلس القضاء، إذ بعجوز تتقدم نحوه، ترفع صوتها بالشكوى، فتأمرها الحاشية بخفض صوتها، لكنها لا تهدأ. يشير السلطان إليها بالاقتراب ويقول:
— "تقدمي يا أماه، وتحدثي دون خوف."
فقالت العجوز:
— "مولاي السلطان، ظلمَني أحدُ رجالكم!"
يرتفع حاجبا السلطان، وتزداد القاعة صمتًا. ثم يسألها:
— "وماذا فعل بك؟"
— "دخل داري بغير إذني، وشرب من حليبي المحلوب، وعندما طالبته بثمنه، أسمعني من الشتائم ما لا يليق!"
نظر السلطان إلى كبير الحرس وقال:
— "هاتوا لي هذا الرجل فورًا!"
وبعد برهة، دخل الموظف الظالم، مرتجفًا، يتصبب عرقًا. رفع السلطان بصره إليه وسأله بصوت هادئ لكنه حازم:
— "هل فعلتَ هذا؟"
كان الموظف يرتجف كعصفورٍ تحت المطر، وقال:
— "اغفر لي يا مولاي، لقد أغواني الشيطان، ولن أكررها أبدًا!"
ضاقت عينا السلطان، ثم التفت إلى القاضي وقال:
— "وكيف حكمتَ ببراءته، رغم أن الجُرم ثابت؟!"
أطرق القاضي برأسه وقال بصوت خافت:
— "لقد... لقد رأيته موظفًا حكوميًا، فخشيتُ عليه!"
صمت السلطان لحظاتٍ، ثم ضرب بيده على الطاولة وقال:
— "هاتوا لي قائمة بكل من ظُلم بيد القضاء!"
وبعد أيام، جاءه كبير الحرس بورقةٍ طويلة مليئة بالشكاوى. أمسك السلطان بالقائمة، وزفر زفرةً طويلة، ثم قال:
— "هذا يعني أننا نقترب من الهلاك!"
وفي مجلسه الخاص، أعلن السلطان عن قراره المدوي:
— "كل قاضٍ قبل الرشوة أو حكم بغير الحق، سوف يُحرق حيًّا!"
انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وارتعدت أركان الدولة. لم يجرؤ أحدٌ على معارضة السلطان، إلا شخصٌ واحد… المهرج الملكي!
فجاء إلى السلطان، وهو يرتدي ملابس السفر، فألقى التحية، فرفع السلطان رأسه وقال:
— "إلى أين أنت ذاهب؟"
— "إلى القسطنطينية، مولاي!"
— "ولماذا؟"
— "لأحضر لكَ عشرات القساوسة ليكونوا قضاةً في دولتنا!"
قطّب السلطان حاجبيه وسأله بدهشة:
— "قساوسة؟ في بلاد المسلمين؟ ولماذا؟"
فقال المهرج وهو يتصنع الجدية:
— "لأنك يا مولاي ستُحرق جميع قضاتنا، ولن يبقى لنا من يحكم بين الناس!"
ظل السلطان ينظر إليه لبرهة، ثم انفجر ضاحكًا!
وقال:
— "لقد بالغتُ في غضبي، وأخطأتُ في قراري. قل لهم إن السلطان قد عدل عن حكمه، لكنني لن أترك الظالمين دون عقاب!" 
وهكذا، نجا القضاة، لكن نجا بعضهم بشق الأنفس، بعد أن نالوا ما يستحقون من العقوبة.


Post a Comment

0Comments

Post a Comment (0)